فتحت عينيها لتجد أختها الكبرى تطالع هاتفها صائحة: “لا أفهم كيف أسلمت عقلها لهم رغم علمها! يا الله على خداعهم وتزييفهم للمسميات وتزيينهم للباطل! إنا لله وإنا إليه راجعون.” فسألتها عما قرأت!

فقصت عليها مأساة أستاذة جامعية هدمت بيتها وخلعت زوجها بعدما تزوجها طالبة في الثانوية؛ ودعمها حتى حصلت على درجة الدكتوراة وسعى في تعيينها في الجامعة. ورغم كل هذا خدعتها دعاوى تحرير المرأة الزائفة البريق للأسف؛ فخسرت مملكتها ورفيق دربها الذي كان سبب في بناء شخصيتها! وحرمت أولادها (ثلاث بنات وأربعة شباب) من أبيهم! وأخرى خربت بيتها وفقدت احترام أبنائها، وتاهت في الحياة بمفردها حتى كادت تصل لهاوية المخدرات؛ رغم أنها كانت جامعية ومعلمة وأم لثلاثة شباب وابنتين. وغيرهما الكثيرات؛ نفس النهاية البائسة وإن اختلفت الأحداث والتفاصيل.

هنا قالت الأخت الصغيرة: “لكن الصراحة المرأة مظلومة في الإسلام فلا توجد قوانين تحدد حقوقها، بل ترك ذلك للرجل إن شاء منحها حقوقها وإلا اضطهدها! برأيي أن الحل هو المساواة التامة بين الرجل والمرأة.” انتفضت الأخت الكبرى قائلةً: “وهل خدعوكِ أنتِ أيضًا بتلك الادعاءات الزائفة؟! تعالي أخيتي لتعرفي فضل الإسلام على المرأة وعدل رب العالمين ورحمته وتكريمه لها.

ولأنه بتضادها تتميز الأشياء؛ تعالي أولًا نلقي سويًا نظرة…

أولًا: نظرة لحال المرأة على مر العصور في غياب التشريع الإسلامي:

“تبقى المرأة البابلية – قبل قوانين حمورابي – منتهكة الحقوق بوصفها مملوكة لا شخصية مستقلة لها؛ حتى أنه كان يجوز رهنها!”

[بابل – 1792 قبل الميلاد]

ولن أذكر لكِ عهد ما قبل الإسلام فقط؛ بل وما بعده – وحتى وقتنا هذا – لكن في البلاد التي لم يُشرق عليها شمس الإسلام بعد.

  • الحضارة اليونانية القديمة: كانت المرأة – أول أمرها – في بيتها تعمل فيه لكن محرومة من العلم، وكانت محتقرة حتى أنهم سموها رجسًا من عمل الشيطان. ومن الناحية القانونية؛ كانت المرأة كقسط المتاع تُباع وتشترى في الأسواق مسلوبة الحرية والمكانة، فلم يعترفوا بحقٍ لها في الميراث ولا غيره. ثم في أوج الحضارة اليونانية تبدلت المرأة واختلطت بالرجال فشاعت الفاحشة حتى أصبح الزنا أمرًا غير منكر، وظهرت دور البغايا. حتى دياناتهم أصبحت تعترف بالعلاقة الآثمة بين الرجل والمرأة!!
  • الحضارة الرومانية القديمة: كان عندهم الأمر موكل إلى رب الأسرة وهو غير ملزم بقبول ضم ولده منها إلى أسرته ذكرًا كان أم أنثى، بل كان يُضع طفله بعد ولادته عند قدميه فإذا رفعه وأخذه بين يديه كان دليلا على أنه قبله ضمن أسرته وإلا فلا، فيؤخذ الوليد إلى الساحات العامة أو هياكل العبادة ويُطرح هناك فمن شاء أخذه إذا كان ذكرا وإلا فإنه يموت. ولم يكن للفتاة آنذاك أهلية التملك، فإذا اكتسبت مالا أضيف الى أموال رب الأسرة ولا يؤثر في ذلك بلوغها ولا زواجها، حيث كانت قوانين الألواح الاثنى عشر تعتبر الأسباب الثلاثة الآتية أسبابا لعدم ممارسة الاهلية وهي: (السن، الحالة العقلية، والجنس أي الأنوثة)، وكان فقهاء الرومان يعللون ذلك بطيش عقول النساء.    [المرأة بين الفقه والقانون – مصطفى السباعي ص 19]
  • اليهودية: كانت بعض طوائف اليهود تعتبر البنت في مرتبة الخادم، وكان لأبيها الحق في بيعها وهي قاصرة ويحرمها من الميراث. بل كان اليهود يعتبرون المرأة لعنة لأنها أغوت آدم.

“فوَجَدْتُ أنَّ المرأةَ أمَرُّ مِنَ الموتِ، لأنَّ قلبَها مَصيدةٌ وشَبكةٌ ويَداها قُيودٌ‌. الصَّالحُ أمام اللهِ ينجو مِنها، أمَّا الخاطئُ فيعلَقُ بها. ”

[التوراة سفر الجامعة 7:26]
  • النصرانية: لما هالهم ما رأوا من انتشار الفاحشة في المجتمع اليوناني؛ عللوا ذلك بوجود المرأة وانحلالها، فقرروا منع الزواج واعتباره دنسًا يجب الابتعاد عنه وأن العزب عند الله أكرم من المتزوج وأعلنوا أنها باب الشيطان. وأقاموا في القرن الخامس “مجمع ماكون الكنسي” عام586 م للبحث في مسألة: هل المرأة مجرد جسم لا روح فيه؟ أم لها روح؟ فقرر المجتمع أنها خلو من الروح الناجية (من عذاب جهنم) ما عدا أم المسيح عليه السلام!!
  • الهند وشرق آسيا: فكان يتراوح  بها الأمر بين طقوس تحتم عليها أن تُحرق إذا مات زوجها كما عند الهندوس. أو التخلي عنها وهي رضيعة بعد مدة قصيرة من ولادتها كما في الصين؛ ومن تنجو منهن يكن تابعات لأبائهن ثم لأزواجهن وأخيرًا لأبنائهن في حال أصبحت المرأة أرملة و كان هذا كله في نظام يُدعى ” تابعات الثلاث ” أو سانكونغ ” Sancong” .  ولم يكن لها أن تجني المال. حتى أن الشخصيات الأنثوية في الأدب القديم ذكرن بأنهن كنَّ رجالًا في حياتهن السابقة و لكن لسوء أفعالهن قد ولدن من جديد نسوة. وهذا كله مرافق إلى استخدامها للمتعة واللذة الشيطانية العابرة كالمتاع!                              [موسوعة تاريخ العالم

“يالمرارة أن تكون امرأة! ما من شيء على وجه الأرض أرخصُ من ذلك. يقف الفتيان متكئين على الأبواب كآلهة سقطت من السماء. قلوبهم شجاعة تحتمل المحيطات الأربعة، الرياح، وغبارُ ألف ميل. تربية فتاة هو شيء لا أحد يريده. أنها ليست غالية لعائلتها.”

[قصيدة بواسطة الشاعر Fu Hsuan في عام 272م]
  • العرب في الجاهلية: حيث كانت لا حقوق لها: فليس لها حق الإرث، وليس لها على زوجها أي حق، وليس للطلاق عدد محدد ولا لتعدد الزوجات حد معين. بل كان مجرد ولادتها سبب للتشاؤم والخزي وكان بعض الآباء يقومون بدفنها وهي حية خشية العار إذا ما كبرت؛ ولاعتقادهم أنها لا تستحق الحياة لأنها لا تستطيع حمل السلاح والدفاع أو نهب الأموال! وكانت الزوجة تعامل معاملة المتروك من متاع زوجها، ويرثها أبناء زوجها من غيرها ولهم أن يتزوجوها، أو يزوجونها من يشاءون.
  • عصر الظلام الأوربي (500: 1000م): حيث عانت المرأة الغربية إجحافًا وقهرًا وعدم مساواة في الحقوق الاجتماعية والقانونية، بِدءًا بقضايا التعليم والتوظيف وقوانين الزواج، وما توارثته الذاكرة الأوروبية من أفكار سلبية عن المرأة من خلال صورة المرأة في التراث اليهودي والمسيحي المحرف بأن المرأة هي أصل الخطيئة. بل امتدت هذه الصورة السلبية لتشمل عقول المفكرين والفلاسفة الغربيين تجاه المرأة كأفلاطون الذي يصنف المرأة في درجة دنيا مع العبيد والأشرار والمرضى.

ويجدر هنا الإشارة إلى أنه تزامن مع هذا الفترة الزمنية سطوع شمس الإسلام على الجزيرة العربية وما حولها؛ وبعدها بدأت عصور الإسلام الذهبية؛ حيث ظهرت النهضة الروحية والخلقية والعلمية والثقافية والاجتماعية والسياسية الحقيقة التي تتسق مع الفطرة وما يسمو بالمرء على كل الأصعدة وفي كلا الدارين؛ بنور من الله وبرضًا منه ورضوان.

متوسط نسب الإجهاض في العالم – عام 2020
  • الحضارة المادية الغربية: حاليًا حيث تعتبر المرأة رسميًا مساوية للرجل، بينما عمليًا يتم احتقارها جدا إلى درجة تسليعها واستخدامها في الدعايات والإعلانات؛ ولقضاء الشهوات العابرة. فمنعوا التعدد لكن سمحوا بالبغايا والصديقات والعشيقات واختلطت بالرجال في كل مجال فزادت معدلات التحرش والعنف ضد المرأة وعمليات الإجهاض حتى بين القُصّر وزيادة ظاهرة الأم العزباء (Single Mums). وهذه الجزئية تحتاج لوقفة تأمل خاصة.

وقفة تأمل في حال المرأة الغربية مع النسوية وما بعدها:

ووقفة هنا مع الذين يولعون بالغرب، ويولون وجوههم شطره ليوحون إلينا أن نساء الغرب ينعمن بالسعادة العظمى مع أزواجهن؛ بينما الحقيقة الماثلة للعيان تقول غير ذلك؛ ومن يُطالع الإحصاءات الفعلية يتبين له الوحشية المخيفة لأولئك الذين يرمون المسلمين بالوحشية! وهاكم غيض من فيض:

بعض الإحصائيات الأمريكية الحديثة

  • في دراسة أعدها المكتب الوطني الأمريكي للصحة النفسية جاء أن 17% من النساء اللواتي يدخلن غرف الإسعاف ضحايا ضرب الأزواج أو الأصدقاء، وأن 83% دخلن المستشفيات سابقاً مرة على الأقل للعلاج من جروح وكدمات أصبن بها كان دخولهن نتيجة الضرب.
  • وقالت جانيس مور-وهي منسقة في منظمة الائتلاف الوطني ضد العنف المنزلي ومقرها واشنطن: إن هذه المأساة وصلت إلى حد هائل؛ فالأزواج يضربون نسائهم في سائر أنحاء الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى دخول عشرات منهن إلى المستشفيات للعلاج. والأمر المرعب هو أن هناك نساء أكثر يُصبن بجروح وأذى على أيدي أزواجهن ولكنهن لا يذهبن إلى المستشفى طلباً للعلاج، بل يُضمِّدن جراحهن في المنزل. وأضافت جانيس مور: إننا نقدر بأن عدد النساء اللواتي يُضربن في بيوتهن كل عام يصل إلى ستة ملايين امرأة، وقد جمعنا معلومات من ملفات مكتب التحقيقات الفيدرالية، ومن مئات الملاجئ التي توفر المأوى للنساء الهاربات من عنف وضرب أزواجهن. [المجتمع العاري بالوثائق والأرقام ص56-57]
  • يتعرض ما بين ثلاثة إلى أربعة ملايين من الأمريكيات للإهانة المختلفة من أزواجهن وعشاقهن سنوياً. [ماذا يريدون من المرأة لعبدالسلام البسيوني ص36-66]
  • تتعرض امرأة لسوء المعاملة في أمريكا كل ثمان ثوان. [المصدر السابق]
  •  60% من الدعوات الهاتفية التي تتلقاها شرطة النجدة في باريس أثناء الليل-هي نداءات استغاثة من نساء تُساء معاملتهن. [المصدر السابق]
  • نشرت مجلة التايم الأمريكية أن ستة ملايين زوجة في أمريكا يتعرضن لحوادث من جانب الزوج كل عام، وأنه من ألفين إلى أربعة آلاف امرأة يتعرضن لضرب يؤدي إلى الموت، وأن رجال الشرطة يقضون ثلث وقتهم للرد على مكالمات حوادث العنف المنزلي. [دور المرأة المسلمة في المجتمع إعداد لجنة المؤتمر النسائي الأول ص45]
  • ونشر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي عام 1979م أن 40% من حوادث قتل النساء تحدث بسبب المشكلات الأسرية، وأن 25% من محاولات الانتحار التي تُقْدم عليها الزوجات يسبقها نزاع عائلي. [المصدر السابق ص46]
  • دراسة أمريكية جرت في عام 1407هـ-1987م أشارت إلى 79% يقومون بضرب النساء وبخاصة إذا كانوا متزوجين بهن؛ قام بها د. جون بيرير الأستاذ المساعد لعلم النفس في جامعة كارولينا الجنوبية على فئة الطلبة الجامعيين، فما بالنا بمن دونهم علميًا!؟
  • يمكن الاطلاع على مزيد من الإحصائيات المؤلمة عما تتعرض له المرأة عمومًا في جميع المجالات في سلسلة المرأة للدكتور إياد القنيبي.

ورغم أننا في غنى عن ذكر تلك الإحصاءات؛ لعلمنا بأنه ليس بعد الكفر ذنب، ولكن العديد من بني جلدتنا لا يقع منهم الدليل موقعه إلا إذا نُسِب إلى الغرب للأسف؛ فها نحن نسمع المرأة الغربية تتعالى صيحاتها من الظلم الحقيقي لأنوثتها وانتهاك فطرتها وحرمتها؛ فهل من مُدَّكر؟